خرجت هاربة من هموم الحياة .. قررت السير في شوارع المدينة غير مكترثة أين أمشي وما هي الشوارع التي أمشي بها ..سرت كثيرا دون أن تشعر قدماي بالتعب .. سرت في شوارع مزدحمة وأخرى تكاد تخلو من المارة ..
أردت أن أكون في حالة اللاوعي واللاإدراك .. فقط أسير و أنظر و أتأمل دوم أن أشغل فكري بشيء سواء كانت ذكريات قديمة أو أحلام مستقبلية .. وأنا أسير في شارع خافت الأضواء .. قليل المارة .. برقت الدنيا ثم رعدت وهطل المطر .. آه كم أعشق المطر .. كم اعشق رائحته ..برودته.. جرأته .. كل شيء فيه .. كم كنت مشتاقة لأن أسير تحتك أيها المطر .. وهاهي الفرصة قد حانت .. سأبقى .. ولتبلل أيها المطر ما شئت مني ..
آه أيها المطر ليتني كنت مثلك .. تهطل دون أن تعلم إلى أين المصير .. تهطل وتندمج مع المكان الذي تذهب إليه .. سواء كان شجر أو بحر أو جبل أو بشر .. أو .. أو .. أو ..
خذني معك أيها المطر خذني حيث تذهب .. فأنا راضيه بأن أكون معك .. أتعلم أيها المطر لما الجميع يعشقك؟؟
لأنك تغسل عن كل نفس أحزانها .. وتزيل عن كل مهموم همه .. وتجعل العاشقين يسيرون تحتك..
وأنا أعشقك لأني أجدك تشبهني .. فيك شيء مني من داخلي .. من أعماقي .. ربما هو وحدتي .. وشقائي..
وذهبت في أفكاري إلى حيث اللامكان واللازمان واللاوجود .. وذهبت في حديثي مع المطر إلى أبعد الحدود .. خرجت عن مدينتي .. عن دولتي .. وعن كوكبي .. خرجت إلى مكان أبعد من الفضاء ..
لم أشعر ببرد أو خوف أو أي شعور .. كان لي شعور خاص في تلك اللحظة شعور لا يعرفه إلا أنا والمطر
وأنا في هذه الحالة جاءتني نسمة هواء باردة .. أيقظت حواسي المشلولة فشعرت برعشة تسري في جميع أنحاء جسدي .. نظرت حولي أًصبحت أدرك أين أنا وماذا أفعل ..الشارع الذي كنت فيه أصبح خالي تماما من المارة وأضواء المنازل تتخافت أكثر حتى تختفي والمطر مازال يبللني وأنا أشعر بالبرد والخوف ..
تذكرت أني أنثى والأنثى في مجتمعنا مهما بلغت قوتها إلا أنها كائن ضعيف في عيون الجميع .. نظرت إلى حالي .. جسمي كله يرتجف .. والبرد قد جمد عروقي .. والخوف أمتلك قلبي .. وأنا لا أعرف أين أنا
قررت أن أبحث عن منزل قريب .. أصحابه صاحون .. لأني ابتعدت عن منزلي مسافة كبيرة .. ورجوعي له في هذا الوقت شبه مستحيل .. فإما أن أموت من شدة البرد أو أموت من شدة الخوف .. سرت وكلما طرقت على باب كان جوابهم لي ..... الصمت
لم أيأس فأنا مازلت أبحث لي عن ملاذ أوي إليه .. رغم أن جميع المنازل التي حولي مطفئة الأنوار .. نظرت إلى بعيد أريد بصيص نور يعيد الأمل إلى حنايا روحي .. ويشعرني ببعض الحياة .. فأنا كنت قد ظننت نفسي جثة جامدة .. ميتة تتحرك
أمعنت النظر .. وجدت على بعد عدة أمتار منزل خافت الأضواء .. شعرت ببعض الأمل .. ذهبت إليه راكضه وعندما اقتربت منه سمعت صوت موسيقى هادئة امتزجت مع صوت المطر الصاخب .. اقتربت منه أكثر .. حتى أصبحت أمام الباب .. لم أتمالك أعصابي .. رحت أطرق عليه بكل ما لدي من قوة .. رغم أن قوتي كانت قد تلاشت .. لكني حاولت استجماعها من جديد .. و أنا أطرق وأطرق ... وما أن طرقت الطرقة الأخيرة وفتح لي الباب نظرت إليه وارتميت عليه مغميا علي