تميزت الأسابيع الأخيرة في المغرب بإصدار أحكام حبسية في حق شابين مغربيين بتهمة المس بالمقدسات (إهانة الملك) . الأول حكم عليه بثلاث سنوات سجنا بسبب ظهوره على يوتوب وهو يخطب غاضبا في مجموعة من المحتجين بمدينة تازة ويحتوى كلامه على شتم للملك. والثاني حكم عليه بسنة سجنا بسبب نشره على صفحته بالفيس بوك لكاريكاتور لفنان فرنسي اعتبر مسيئا للملك.
من دون الدخول في النقاش حول القداسة، والتي لا يجب أن تنسب إلا لله. كأي مواطن مغربي، يمكن للملك رفع شكوى قضائية على أي شخص بتهمة القذف والتشهير. لكن العقوبات يجب أن يعاد النظر فيها. فليس من مصلحة أحد أن يقضي شاب مغربي ثلاث سنوات من عمره بسبب لحظة غضب. يروى بأن ملك مصر فاروق أتوه بشخص قالوا أنه كان يسب الملك في الشوارع فأمرهم أن يحبسه ليوم واحد فقط. والعقوبة يجب أن تكون بحجم الضرر الذي لحق بالضحية. وهنا نتساءل، ماذا خسر الملك من تلك الإساءة؟
في اعتقادي أن مثل تلك المحاكمات هي أكبر إهانة للملك. فبسببها تعرف آلاف الناس على ذلك الشاب الغاضب وانتشر الفيديو الذي ظهر فيه على الويب والشبكات الاجتماعية مع إنتشار خبر الاعتقال والمحاكمة. ونفس الشيء حصل مع صاحب صفحة الفيس بوك وآخرون من قبله. كما أنها إهانة للملك أن يتم نطق الأحكام بإسمه. فكيف نتصور أن يكون القاضي عادلا في أي قضية يكون الملك طرفا فيها وهو ينطق الحكم بإسم الملك؟
ليس فقط في القضاء، فاسم الملك يهان أيضا عندما يفسد موظفون في الدولة يلصقون اسم الملك في أسماء وظائفهم أو يتهربون من المحاسبة بسبب أن من عينهم أو وشحهم هو الملك. وفي الاقتصاد، نرى شركات تنسب إلى الملك، تقوم بنشاطات تغضب المواطنين، كما حدث مع أسواق مرجان التي إشترت مؤخرا أراضي للدولة بثمن بخس، وهو أمر يسيء إلى الملك.
قد لا أحتاج لدليل لإثبات كلامي بأن المغاربة يحبون أن تبقى الملكية قائمة في المغرب، ليس عن خوف بل عن قناعة، وخير دليل على ذلك ليس عدد من صوت للدستور الجديد ولكن عدد من خرج للشوارع في أكبر حركة احتجاجية عرفها المغرب الحديث. فبالرغم من كل أنواع المضايقات والإساءة المادية والمعنوية التي تعرض لها نشطاء حركة 20 فبراير، لم تطالب الحركة أبدا بإسقاط الملكية بل أنها كانت تطالب بملكية أفضل وأرقى وهي الملكية البرلمانية، مثل نماذج الدول المتقدمة.
إذن فأكبر تشريف للملك أن لا يتم حشر إسمه لا في القضاء ولا في التجارة ولا في الإدارة ويبقى رمزا للبلاد يحظى بتقدير الجميع. إن المبدأ الذي تقوم عليه كل الديمقراطيات العريقة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة ولأنه لا يصح أن يوضع رمز البلاد محل المحاسبة، ارتأت تلك الدول أن لا تجعل لملوكها وظائف يحاسبون عليها و يكتفون بمهام تشريفية أو برتوكولية.
وبإختصار: من مصلحة المغرب أن يكون مملكة ديمقراطية برلمانية، ومن مصلحة الملك أن يترك تدبير أمور الإدارة و الاقتصاد لأناس يحاسبوا على سوء تدبيرهم من قبل الشعب وممثليه.